صباح الخير معركة

قد لا يكون ميشال سليمان في هذا الوارد. وقد لا تكون أيّ من تلك الأفكار قد وردت في ذهنه. غير أن النقاشات في آخر الحلقات المفكّرة ضمن فريق الأكثرية توقفت طويلاً عند هذا التطابق بين موقفي رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب الله، لجهة سحب «الملفات الكبرى» من البحث والتداول.
يذهب تفكير تلك الحلقات إلى أن كلام نصر الله واضح، للحريري وحكومته ومن داخلها وخارجها: لا تتعاطوا في «الملفات الكبرى». والأمر الحزبللاهي الجديد، بحسب تحليل هؤلاء، انبثاق منطقي من نهج سابق: البحث في المحكمة الدولية ممنوع بحجة تهديد السلم الأهلي، والبحث في إحياء التفاوض السلمي محظور، بذريعة تناقضه مع عقيدة المقاومة ومشروعها... اليوم، تقول الحلقات المفكرة في 14 آذار، وجّه نصر الله أمره الشامل: حكومة لبنان يجب أن تكون نوعاً من «سوبر بلدية» أو أكثر. ها نحن نساعدكم على وضع إشارات السير في الضاحية، يمكنكم فتح مجاري المياه قبل الشتاء، إقامة الأرصفة... حتى الشأن المالي والاقتصادي، جئناكم بشربل نحاس «ليطلّع دينكم ودين الحريري»... أما الباقي من «ملفات كبرى»، فهي أكبر منكم ومن حكومتكم، اتركوها لنا ولا تتعاطوا فيها.
إذا قبل لبنان التفاوض، صار تحت المظلة السورية، وإذا رفض، صارت سوريا شرطي ضبطهيتخيّل الآذاريون هذا المنطق، ويستنتجون فوراً أنه صدى الموقف الإيراني، فيما لسوريا موقف متمايز بحسبهم. بشار يناشد الأتراك إعادة ربط ما انقطع مع الإسرائيليين تمهيداً لتلبية استئناف التفاوض. ها هو اليوم في باريس، ليستمع من ساركوزي مباشرة إلى رسالة نتنياهو. وكل أدائه يسعى إلى توجيه كتاب مفتوح إلى واشنطن، مفاده: تعثرت معكم على المسار الفلسطيني؟ أنا جاهز لتعويض إدارتكم الجديدة بعضاً من الرصيد الخارجي الذي تبحث عنه، تفضلوا إلى المسار السوري.
لا تبالغ الحلقات المفكّرة في 14 آذار في التنظير لتناقض مزعوم أو موهوم، بين دمشق وطهران. تدرك تماماً، أنه في العمق لا تزال إيران وحزب الله مرتاحين إلى موقف سوريا، وإلى أداء رئيسها. يعرفان ـــــ بحسب المنطق الآذاري التحليلي نفسه ـــــ أن النظام السوري لا يحتمل التسوية ولا السلام. ويعرفان لذلك، كيف وقف الراحل حافظ الأسد على أمتار من ضفة البحيرة وأقل منها من الاتفاق، ولم يقدم... لذلك طهران والضاحية مطمئنتان إلى أن بشار يشتري الوقت، لا غير.

لكن، تستدرك الحلقات الآذارية، في سياق هذه اللعبة ذات السرعتين المختلفتين بين سوريا وإيران، قد تأتي لحظة، يربّت فيها العالم الغربي كتف اللبناني المتفرج، قائلاً له: تفضل للتفاوض، ولو بسرعتين، مثل سوريا التي تنسق معها. أصلاً كل كلام أوباما من واشنطن وكلينتون من بعبدا ــــــ في 26 نيسان الماضي ـــــ وكل كلام إدارتهما بعد الانتخابات، يصب في هذا الاتجاه. عندها ماذا سيفعل اللبناني؟ أمامه ثلاثة احتمالات، بحسب تحليل الحلقات نفسها:

أولاً، أن يقبلوا بالتفاوض، فيصيروا تحت المظلة السورية فوراً ومباشرة، ينفعلون بفعلها، ويتأثرون بتفاعلها مع محور العلاقة المتحركة حينها بين دمشق وطهران والضاحية.
الاحتمال الثاني، أن يرفض اللبنانيون الدخول إلى لعبة المفاوضات المفتوحة، بخلفية عدم وقوعهم على الفالق السوري الإيراني الحزبللاهي. لكنهم في هذا الحالة، سيعطون دمشق ورقة مهمة جداً، مسدين إليها الموقع والدور اللذين يرون فيهما العالم الغربي والمجتمع الدولي، «الشرطي» الوحيد القادر على إدخال لبنان ضمن إطار التسوية، والمؤهل لضبط حركة بيروت، وفق توقيت السلام الإقليمي. وبالتالي، تكون سوريا هي الرابحة أيضاً، من التموضع اللبناني.

يبقى احتمال ثالث، هو ـــــ بحسب التحليل الآذاري ــــــ أن يلجأ لبنان ــــــ وتحديداً ميشال سليمان ــــــ إلى البندين الثامن والتاسع من القرار 1701، حيث الكلام عن «حل طويل الأجل» بين لبنان وإسرائيل، وعن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للعمل على تحقيق حل كهذا.
هل ذهب ميشال سليمان إلى دمشق ليجسّ النبض حيال احتمال ثالث كهذا؟ وهل قرر منذ الآن توسيع الهامش المتاح له داخلياً وخارجياً، استباقاً للحظة كهذه؟ هكذا يتجه التحليل ـــــ التمني لدى الحلقات الآذارية، علماًَ بأن التحقق منه قد لا يحتاج إلى أشهر. الأسابيع القليلة قد

طلال علي جرادي

مشكورررررر